فصل: سورة يس:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (31- 35):

{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (31) ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (32) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (33) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (35)}

.شرح الكلمات:

{من الكتاب}: أي القرآن الكريم.
{مصدقا لما بين يديه}: أي من الكتب السابقة كالتوراة والإِنجيل.
{ثم أورثنا الكتاب}: أي الكتب التي سبقت القرآن إذ محصلها في القرآن الكريم.
{الذين اصطفينا}: أي اخترنا المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
{فمنهم ظالم لنفسه}: بارتكاب الذنوب.
{ومنهم مقتصد}: مؤدٍ للفرائض مجتنب للكبائر.
{ومنهم سابق بالخيرات}: مؤدٍ للفرائض والنوافل مجتنب للكبائر والصغائر.
{بإذن الله}: أي بتوفيقه وهدايته.
{ذلك}: أي إيرائهم الكتاب هو الفضل الكبير.
{ولؤلؤاً}: أي أساور من لؤلؤ مرصع بالذهب.
{أحلنا دار المقامة}: أي الإِقامة وهي جنات عدن.
{لا يمسنا فيها نصب}: أي تعب.
{ولا يمسنا فيها لغوب}: أي إعياء من التعب، وذلك لعدم التكليف فيها.

.معنى الآيات:

قوله تعالى: {والذي أوحينا إليك من الكتاب} أي القرآن الكريم هو {الحق} أي الواجب عليك وعلى أمتك العمل به لا ما سبقه من الكتب كالتوراة والإِنجيل، {مصدقاً لما بين يديه} أي أمامه من الكتب السابقة، وقوله: {إن الله بعباده لخبير بصير} فهو تعالى يعلم أن الكتب السابقة لم تصبح تحمل هداية الله لعباده لما داخلها من التحريف والتغيير فلذا مع علمه بحاجة البشرية إلى وحي سليم يقدم غليها فتكمل وتسعد عليه متى آمنت به وأخذته نوراً تمشى به في حياتها المادية هذه أرسلك وأوحى إليك هذا الكتاب الكريم وأوجب عليك وعلى أمتك العمل به.
وقوله تعالى: {ثم أوحينا الذين اصطفينا من عبادنا} يخبر تعالى أنه أورث أمة الإِسلام الكتاب السابق إذ كل ما في التوراة والإِنجيل من حق وهدى قد حواه القرآن الكريم فأُمه القرآن قد ورَّثها الله تعالى كل الكتاب الأول. وقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه} بالتقصير في العمل وارتكاب بعض الكبائر، {ومنهم مقتصد} وهو المؤدى للفرائض المجتنب للكبائر، {ومنهم سابق للخيرات بإذن الله} وهو المؤدى للفرائض والنوافل المجتنب للكبائر والصغائر.
وقوله: {ذلك} أي الإِيراث للكتاب هو الفضل الإِلهي الكبير وهو {جنات عدن يدخلونها يوم القيامة يحلون فيها من اساور} جمع سوار ما يجعل في اليد {من ذهب ولؤلؤا} أي أساور من لؤلؤ، ولباسهم فيها حرير.
وقوله: {وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن} أي كل الحزن فلا حزن يصيبهم إذ لا موت في الجنة ولا فراق ولا خوف ولا هَمَّ ولا كرب فمِنْ أين يأتي الحزن. وقولهم {إن ربنا لغفور شكور} قالوا هذا لأنه تعالى غفر للظالم وشكر للمقتصد عمله فأدخل الجميع الجنة فهو الغفور الشكور حقاً حقاً.
وقولهم: {الذي أحلَّنا دار المقامة} أي الإِقامة من فضله هذا ثناء منهم على الله تعالى بإفضاله عليهم، وقولهم {لا يمسنا فيها نصب} أي تعب {ولا يمسنا فيها لغوب} أي إعياء من التعب وصف لدار السلام وهي الجنة الخالية من النصب واللغوب جعلنا الله من أهلها.

.من هداية الآيات:

1- وجوب العمل بالقرآن الكريم عقائد وعبادات وآداباً وأخلاقاً وقضاء وحكماً.
2- بيان شرف هذه الأمة، وأنها الأمة المرحومة فكل من دخل الإِسلام بصدق وأدى الفرائض واجتنب المحارم فهو ناج فائز ومن قصر وظلم نفسه بارتكاب الكبائر ومات ولم يشرك بالله شيئاً فهو آثيل إلى دخول الجنة راجع إليها بإذن الله.
3- بيان نعيم أهل الجنة وحلية أهلها وهي الأساور من الذهب واللؤلؤ.

.تفسير الآيات (36- 39):

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)}

.شرح الكلمات:

{لا يقضى عليهم}: أي بالموت فيموتوا ويستريحوا.
{كذلك نجزى كل كفور}: أي كذلك الجزاء نجزى كل كفور بنا وبآياتنا ولقاءنا.
{وهم يصطرخون فيها}: أي يصبحون بأعلى اصواتهم يطلبون الخروج منها.
{يقولون}: أي فرض عويلهم وصراخهم ربنا أخرجنا أي منها نعمل صالحاً.
{أو لم نعمركم ما يتذكر فيه}: أي وقتا يتذكر فيه من تذكر.
{وجاءكم النذير}: أي الرسول فلم تجيبوا وأصررتم على الشرك والمعاصي.
{إنه عليم بذات الصدور}: أي بما في القلوب من إصرار على الكفر ولو عاش الكافر طوال الحياة.
{خلائف في الأرض}: يخلف بعضكم بعضاً. والخلائف جمع خليفة وهو من يخلف غيره.
{فعليه كفره}: أي وبال كفره.
{إلا مقتاً}: أي إلا غضباً شديداً عليه من الله عز وجل.
{إلا خساراً}: أي في الآخرة إذ يخسرون أنفسهم وأهليهم يوم القيامة.

.معنى الآيات:

بعدما ذكر تعالى جزاء أهل الإِيمان والعمل الصالح ذكر جزاء أهل الكفر والمعاصي فقال: {والذين كفروا} أي بالله وآياته ولقائه {لهم نار جهنم} أي جزاء لهم {لا يقضى عليهم} أي بالموت فيموتوا حتى يستريحوا ولا يخفف عنهم من عذابها ولا طرفة عين. وقوله تعالى: {كذلك} أي الجزاء {نجزى كل كفور} أي مبالغ في الكفر مكثر منه. وقوله: {وهم يصطرخون فيها} أي في جهنم أي يصرخون بأعلى أصواتهم في بكاء وعويل يقولون: {بنا أخرجنا} أي من النار ورُدنا إلى الحياة الدنيا {نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل} أي من الشرك والمعاصي.
فيقال لهم: {أو لم نعمركم} أي أتطلبون الخروج من النار لتعملوا صالحاً ولم نعمركم أي نطل أعماركم بحيث يتذكر فيها من يريد أن يتذكر وجاءكم النذير فلم تجيبوه واصررتم على الشرك والمعاصي، إذاً فذوقوا عذاب النار {فما للظالمين} أي الذين ظلموا أنفسهم بالشرك والمعاصي فمن نصير ينصرهم فيخرجهم من النار. وقوله تعالى: {إن الله عالم الغيب السموات والأرض} أي كل ما غاب في السموات والأرض {إنه عليم بذات الصدور} ومن ذلك أنه عليم بما في قلوبكم وما كنتم مصرين عليه من الشرك والشر والفساد ولو عشتم الدهر كله.
وقوله تعالى: {هو الذي جعلكم خلائف الأرض} أي يخلف بعضكم بعضاً وفي ذلك ما يمكّن من العظة والاعتبار إذ العاقل من اعتبر بغيره فقد هلكت قبلكم أمم بذنوبهم فلم لا تتعظون بهم وقد خلفتموهم وجئتم بعدهم إذاً فلا عذر لكم ابداً.
وبعد هذا البيان فمن كفر فعليه كفره هو الذي يتحمل جزاءه، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم {الا مقتاً} أي بعداً عن الرحمة وبغضاً شديداً، {ولا يزيد الكافرين} أي المصرين على الكفر كفرهم {إلا خساراً} أي هلاكاً في الآخرة.

.من هداية الآيات:

1- بيان مُرّ العذاب وأليمه الذي هو جزاء الكافرين.
2- الإِعذار لمن بلّغه الله من العمر أربعين سنة.
3- الكافر يعذب أبداً لعلم الله تعالى به وأنه لو عاش آلاف السنين ما أقلع عن كفره ولا حاول أن يتوب منه فلذا يعذب أبداً.
4- في كون البشرية أجيالاً يذهب وآخر يأتي مجال للعظة والعبرة والعاقل من اعتبر بغيره.
5- الاستمرار على الكفر لا يزيد صاحبه إلا بعداً عن الرحمة ومقتاً عند الله تعالى والمقت اشد الغضب.

.تفسير الآيات (40- 43):

{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40) إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}

.شرح الكلمات:

{قل ارأيتم}: أي أخبروني.
{تدعون من دون الله}: أي تعبدون من غير الله وهى الأصنام.
{أرونى ماذا خلقوا}: أي اخبروني ماذا خلقوا من الأرض أي أيّ جزء منها خلقوه.
{أم لهم شرك}: أي أم لهم شركة في خلق السموات.
{إلا غروراً}: أي باطلاً إذْ قالوا إنها آلهتنا تشفع لنا عند الله يوم القيامة وتقربنا إلى الله زلفى.
{يمسك السموات والأرض أن تزولا}: أي يمنعها من الزوال.
{إن أمسكهما من أحد من بعده}: أي ولو زالتا ما أمسكهما أحد من بعده لعجزه عن ذلك.
{إنه كان حليما غفوراً}: أي حليماً لا يعجل بالعقوبة غفوراً لمن ندم واستغفر.
{لئن جاءهم نذير}: أي رسول.
{من احدى الأمم}: أي اليهود والنصارى.
{فلما جاءهم نذير}: أي محمد صلى الله عليه وسلم.
{ما زادهم إلا نفوراً}: أي مجيئه إلا تباعاداً عن الهدى ونفرة منه.
{ومكر السيئ}: أي الشرك والمعاصي.
{ولا يحيق المكر السيئ}: أي ولا يحيط إلا بأهله العاملين له.
{سنة الأولين}: أي سنة الله فيهم وهي تعذيبهم بكفرهم وإصرارهم عليه.
{ولن تجد لسنة الله تبديلا}: أي فلا يبدل العذاب بغيره.
{ولن تجد لسنة الله تحويلا}: أي تحويل العذاب عن مستحقه إلى غير مستحقه.

.معنى الآيات:

ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد وإبطال التنديد فقال تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم قل للمشركين من قومك: {أرأيتم شركاءكم الذين تدعون} أي تعبدون من دون الله أخبروني: ماذا خلقوا من الأرض حتى استحقوا العبادة مع الله فعبدتموهم معه؟ أم لهم شرك في السموات بأن خلقوا جزءاً وملكوه بالشركة. والجواب قطعاً لم يخلقوا شيئاً من الأرض وليس لهم في خلق السموات شركة أيضا إذاً فكيف عبدتموهم مع الله؟ وقوله تعالى: {أم آتيناهم} أي أم آتينا هؤلاء المشركين كتاباً يبيح لهم الشرك ويأذن لهم فيه فهم لذلك على بينة بصحة الشرك.
والجواب ومن اين لهم هذا الكتاب الذي يبيح الشرك؟ بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضاً {إلا غروراً} أي باطلاً إذْ الحقيقة أن المشركين لم يكن لهم كتاب يحتجون به على صحة الشرك، وإنما هو أن الظالمين وهم المشركون ما يعد بعضهم بعضا وهو أن الآلهة ستشفع لنا وتقربنا إلى الله زلفى غلا غروراً وباطلاً فالرؤساء غرَّروا بالمرء وسين وكذبوا عليهم بأن الآلهة تشفع لهم عند الله وتقربهم منه زلفى فلهذا عبدوها من دون الله وقوله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} يخبر تعالى عن عظيم قدرته ولطفه بعباده، ورحمته بهم وهي أنه تعالى يمسك السموات السبع والأرض أن تزولا أي تتحول عن أماكنهما، إذْ لو زالتا لخرب العالم في لحظات، وقوله: {ولئن زالتا} أي ولو زالتا {إن أمسكهما من أحد من بعده} أي لا يقدر على ذلك إلا هو سبحانه وتعالى، وقوله إنه كان حليماً غفوراً إذ حلمه هو الذي غرَّ الناس فعصوه، ولم يطيعوه، واشركوا به ولم يوحدوه ومغفرته هي التي دعت الناس إلى التوبة غليه، والإِنابة إلى توحيده وعبادته.
وقوله تعالى في الآية الثالثة من هذا السياق (42): {وأقسموا بالله جهد ايمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن اهدى من إحدى الأمم} يخبر تعالى عن المشركين العرب بأنهم في يوم من الأيام كانوا يحلفون بالله جهد ايمانهم أي غاية اجتهادهم فيها لئن جاءهم رسول يرشدهم ويعلمهم لكانوا أهدى أي أعظم هداية من إحدى الطائفتين اليهود والنصارى. هكذا كانوا يحلفون ولما جاءهم نذير أي الرسول وهو محمد صلى الله عليه وسلم ما زادهم مجيئه {إلا نفوراً} أي بعداً عن الدين ونفرة منه، واستكباراً في الأرض، ومكر السيئ الذي هو عمل الشرك والظلم والمعاصي.
وقوله تعالى: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} إخبار منه تعالى بحقية يجهلها الناس وهي أن عاقبة المكر السيئ تعود على الماكرين بأسْوأ العقاب واشد العذاب وقوله تعالى: {فهل ينظرون} أي ينتظرون وهم مصرون على المكر السيئ وهو الشرك ومحاربة الرسول وأذية المؤمنين. إلا سنة الأولين وهي إهلاك الماكرين الظالمين {ولن تجد لسنة الله} أيها الرسول {تبديلا} بأن يتبدل العذاب بغيره بالرحمة مثلا {ولن تجد لسنة الله تحويلا} بأن يتحول العذاب عن مستحقه غلى غير مستحقه إذاً فليعاجل قومك الوقت بالتوبة وإلا فهُم عرضة لأن تمضى فيهم سنة الله بعذابهم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير التوحيد وإبطال الشرك والتنديد.
2- بيان أن المشركين لا دليل لهم على صحة الشرك لا من عقل ولا من كتاب.
3- بيان قدرة الله ولطفه بعباده ورحمته بهم في إمساك السموات والأرض عن الزوال.
4- بيان كذب المشركين، ورجوعهم عما كانوا يتقاولونه بينهم من أنه لو أُرسل غليهم رسولاً لكانوا أهدى من اليهود أو النصارى.
5- تقرير حقيقة وهي أن المكر السيئ عائد على أهله لا على غيرهم وفي هذا يُرى أن ثلاثة على أهلها رواجع، وهي المكر السيئ، والبغْي، والنَّكث لقوله تعالى: {إنما بغيكم على أنفسكم} وقوله: {ومن نكث فإنما ينكث على نفسه} وقوله: {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله}.

.تفسير الآيات (44- 45):

{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44) وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}

.شرح الكلمات:

{وكانوا أشد منهم قوة}: أي وأهلكهم الله تعالى بتكذيبهم رسلهم.
{وما كان الله ليعجزه من شيء}: أي ليسبقه ويفوته فلم يتمكن منه.
{إنه كان عليماً قديرا}: أي عليماً بالأشياء كلها قديراً عليها كلها.
{بما كسبوا}: أي من الذنوب والمعاصي.
{ما ترك على ظهرها}: أي ظهر الأرض من دابة أي نسمة تدب على الأرض وهي كل ذي روح.
{إلى أجل مسمى}: أي يوم القيامة.
{فإن الله كان بعباده بصيراً}: فيحاسبهم ويجزيهم بحسب كسبهم خيراً كان أو شراً.

.معنى الآيات:

لما هدد الله تعالى المشركين بإمضاء سنته فيهم وهي تعذيب وإهلاك المكذبين إذا أصروا على التكذيب ولم يتوبوا. قال: {أو لم يسيروا} أي المشركون المكذبون لرسولنا {في الأرض} شمالاً أو جنوباً {فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} كقوم صالح وقوم هود، إنها كانت دماراً وخساراً {وكانوا أشد منهم قوة} أي من هؤلاء المشركين اليوم قوة وقوله تعالى: {وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض} أي لم يكن يعجز الله شيء فيفوت الله ويهرب منه ولا يقدر عليه بل إنه غالب لكل شيء وقاهر له وقوله: {إنه كان عليماً قديراً} تقرير لقدرته وعجز كل شيء أمامه، فإن العليم القدير لا يعجزه شيء بالاختفاء والتستر، ولا بالمقاومة والهرب.
وقوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} وهي الآية الأخيرة من هذا السياق (45) أي ولو كان الله يؤاخذ الناس بذنوبهم فكلُّ من أذنب ذنباً انتقم منه فأهلكه ما ترك على ظهر الأرض من نسمة ذات روح تدب على وجه الأرض، ولكنه يؤخر الظالمين {إلى أجل مسمى} أي معين الوقت محدده إن كان في الدنيا ففي الدنيا، وإن كان يوم القيامة ففي القيامة. وقوله: {فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيراً} يخبر بأنه إذا جاء أجل الظالمين فإنه تعالى بصير بهم لا يخفى عليه منهم أحد فيهلكم ولا يبقى منهم أحداً لكامل علمه وعظيم قدرته، الا فليتق الله الظالمون.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية السير في الأرض للعبرة لا للتنزه واللهو واللعب.
2- بيان أن الله لا يعجزه شيء وذلك لعلمه وقدرته وهي حال توجب الترهيب منه تعالى والإِنابة إليه.
3- حرمة استعجال العذاب فإِن لكل شيء أجلا ووقتاً معيناً لايتم قبله فلا معنى للاستعجال بحال.

.سورة يس:

.تفسير الآيات (1- 12):

{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (4) تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (5) لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (10) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (11) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)}

.شرح الكلمات:

{يس}: هذا أحد الحروف المقطعة يكتب هكذا يس، ويقرأ هكذا ياسِينْ والله أعلم بمراده به.
{والقرآن الحكيم}: أي ذي الحكمة إذ وضع القرآن كل شيء في موضعه فهو لذلك حكيم ومحكم أيضاً بعجيب النظم وبديع المعاني.
{إنك لمن المرسلين}: أي يا محمد من جملة الرسل الذين أرسلناهم إلى أقوامهم.
{على صراط مستقيم}: أي طريق مستقيم الذي هو الإِسلام.
{تنزيل العزيز الرحيم}: أي القرآن تنزيل العزيز في انتقامه ممن كفر به الرحيم بمن تاب إِليه.
{ما أنذر آباؤهم}: أي لم ينذر آباؤهم إذ لم يأتهم رسول من فترة طويلة.
{فهم غافلون}: أي لا يدرون عاقبة ما هم فيه من الكفر والضلال، ولا يعرفون ما ينجيهم من ذلك وهو الإِيمان وصالح الأعمال.
{لقد حق القول على أكثرهم}: أي وجب عليهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون.
{إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً}: أي جعلنا ايديهم مشدودة إلى أعناقهم بالأغلال.
{فهي إلى الأذقان}: أي أيديهم مجموعة إلى أذقناهم، والأذقان جمع ذقن وهو مجمع اللحيين.
{فهم مقمحون}: أي رافعو رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، فلذا لا يكسبون بأيديهم خيراً، ولا يذعنون برؤوسهم إلى حق.
{فأغشيناهم فهم لا يبصرون}: أي جعلنا على أبصارهم غشاوة فهم لذلك لا يبصرون.
{وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون}: أي استوى إنذارك لهم وعدمه في عدم إيمانهم.
{من اتبع الذكر}: أي القرآن.
{وأجر كريم}: أي بالجنة دار النعيم والسلام.
{إنا نحن نحي الموتى}: أي نحن ربّ العزة نحيى الموتى للبعث والجزاء.
{ونكتب ما قدموا وآثارهم}: أي ما عملوه من خير وشر لنحاسبهم، وآثارهم أي خطاهم إلى المساجد وما استنَّ به أحد من بعدهم.
{في إمام مبين}: أي في اللوح المحفوظ.

.معنى الآيات:

{يس} الله أعلم بمراده به {والقرآن الحكيم} أي المحكم نظماً ومعنًى وذي الحكمة الذي يضع كل شيء في موضعه أقسم تعالى بالقرآن الحكيم على أن محمد صلى الله عليه وسلم نبياً رسولاً فقال: {والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} الذي هو الإِسلام. وقوله: {تنزيل العزيز الرحيم} أي هذا القرآن هو تنزيل الله {العزيز} في الانتقام ممن كفر به وكذب رسوله {الرحيم} بأوليائه وصالحى عباده. وقوله: {لتنذر قوماً وما أُنذر آباؤهم} أي أرسلناك وأنزلنا إليك الكتاب لأجل أن تنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من فترة طويلة وهم مشركو العرب إذ لم يأتهم رسول من بعد إسماعيل عليه السلام {فهم غافلون} أي لا يدرون عاقبة ما هم عليه من الشرك والشر والفساد، ومعنى تنذرهم تخوفهم عذاب الله تعالى المترتب على الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى: {لقد حق القول على أكثرهم} أي أكثر خصوم النبي صلى الله عليه وسلم من كفار قريش كأبي جهل حق عليهم القول الذي قوله تعالى: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} فوجب لهم العذاب فلذا هم لا يؤمنون إذ لو آمنوا لما عذبوا، وعدم إيمانهم لم يكن مفروضاً عليهم وإنما هو باختيارهم وحرية إرادتهم إذ لو كان جبراً لما استحقوا العذاب عليه. وقوله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً فهي} أي ايديهم {إلى الأذقان} مشدودة بالأغلال {فهم مقمحون} أي رافعوا رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل لحالهم في عدم مدّ أيديهم للإِنفاق في الخير، وعدم إذعان رؤوسهم لقبول الحق وقوله: {وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً} وهذا تمثيل آخر لحالهم وهي أنهم زيّنت لهم الحياة الدنيا فأصبحوا لا يرون غيرها فهو سد أمامهم ومانع لهم من الإِيمان وترك الشرك والمعاصي، وصورت لهم الآخرة بصورة باطلة مستحيلة الوقوع فكان ذلك سداً من خلفهم فهم لذلك لا يتوبون ولا يذكرون لعدم خوفهم من عذاب الآخرة وقوله تعالى: {وأغشيناهم} هذا مبالغة في إضلالهم فجعل على أعينهم غشاوة من كره الرسول صلى الله عليه وسلم وبغض ما جاء فهم لذلك عمى لا يبصرون. وقوله تعالى: {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} هذا إخبار منه تعالى بأن هذه المجموعة من خصوم الرسول صلى الله عليه وسلم من أكابر مجرمى مكة استوى فيهم الإِنذار النّبويّ وعدمه فهم لا يؤمنون فكأن الله تعالى يقول لرسوله إن هؤلاء العتاة من خصومك إنذارك لهم لا ينفعهم فأنذر الذين ينفعهم إنذارك ودع من سواهم وهو قوله تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر} أي القرآن {وخشي الرحمن بالغيب} أي خافه فلم يعصه وهو لا يراه، كما لم يعصه عندما يخلو بنفسه ولا يراه غيره فمثل هذا بشره بمغفرة منا لذنوبه وأجر كريم على صالح عمله وهو الجنة دار المتقين وقوله تعالى: {إنا نحن نحى الموتى} أي للبعث والجزاء {ونكتب ما قدموا} أي أولئك الأموات أيام حياتهم من خير وشر، {وآثارهم} أي ونكتب آثارهم وهو ما اسْتُنَّ به من سننهم الحسنة أو السيئة. {وكل شيء} أي من أعمال العبادة وغيرها {في إمام مبين} وهو اللوح المحفوظ، وسنجزى كلاً بما عمل. وفي هذا الخطاب تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

.من هداية الآيات:

1- تقرير النبوة المحمدية وتأكيد رسالته صلى الله عليه وسلم.
2- بيان الحكمة من إرسال الرسول وإنزال الكتاب الكريم.
3- بيان أن الرسول محمداً صلى الله عليه وسلم بعث على فترة من الرسل.
4- بيان أن حب الدنيا والإقبال عليها والإعراض عن الآخرة وعدم الالتفات إليها يضعان الإِنسان بين حاجزين لا يستطيع تجاوزهما والتخلص منهما.
5- بيان أن الذنوب تفيد صاحبها وتحول بينه وبين فعل الخير أو قبول الحق.
6- بيان أن من سن سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعده يجزى بها كما يجزى على عمله الذي باشره بيده.
7- تقرير عقيدة القضاء والقدر وأن كل شيء في كتاب المقادير المعبر عنه بالإِمام. ومعنى المبين أي ان ما كتب فه بيّن واضح لا يجهل منه شيء.